الآثار النفسية للمارسات الروحانية

الآثار النفسية للمارسات الروحانية

الدكتور يوسف مسلم

ملاحظات سريرية على الممارسات النفسانية

الاثار النفسية للممارسات الروحانية الوافدة:

(هذا لمام القصاصات التي كنت اكتبها في دفاتر ملاحظاتي السريرية، وقد لاحظته على المراجعين للعيادة في الاعوام العشر الاخيرة ممن خضعوا لمثل هذه الفنون او مارسوا ما فيها لفترة ما).

لا يوجد شيء بدون اثر في اي ممارسة مساعدة للإنسان، وهذا الاثر قد يكون ايجابي او سلبي، او كلاهما، ولذلك تم جمع هذه الملاحظات في مقالة تحاول الاجابة، ولمعرفة هذه الاثار نحتاج بداية لمعرفة المؤثر هنا، وطبيعته، حيث ان هذا الشق الاول الهام لاجابة السؤال.

الممارسات الروحانية الوافدة تقع ضمن 3 اصناف كما سيأتي:


-1 صنف جلي وواضح، مثل اليوجا، او الممارسات الوثنية الجلية.

-2 صنف متخفي ضمن مسميات التدريب والتنمية، لكن يمارس المباديء الروحانية الوافدة دون الطقوسية الواضحة، بل وقد يتخفى تحت استشهادات دينية وقرآنية - مقحمة طبعاً - بحيث يعرض بشكل مقبول للمجتمع المسلم

-3 وشكل يتأرجح بين التصنيفين السابقين، مثل الحرية النفسية EFT، فمرة تراه جلياً ومرة أخرى متخفياً في ممارسات أخرى.

اما ما نحتاج لمعرفته لاحقاً هو سبب قبول هذه المنهجيات، او من هي الفئة التي قد تلجأ لمثل هذه الممارسات، حيث تنقسم هذه الفئة الى 4 أقسام، تظن انها ستحصل على فائدة من هذه الفنون، وضمن صنفين:

 -1 صنف المروجون: وهم اما المصدرين لهذه الفنون، وهم غير ملومين دامها بضاعتهم الاصلية، وهم دعاة لها، والمستوردون، وهم من يعرضون هذه البضاعة بقالب يقبله المجتمع المسلم، وهؤلاء الاخطر، وهم اساس التلبيس على الناس لزخرفتهم القول في عرض هذه البضاعة، ثم يأتي قسم ثالث وهم من يعرضون البضاعة بعدما اخذوها من المستورد، ومنهم من هو جاهل بما تلبس به هذه البضاعة، ويظن انه يؤتي خيراً، وقسم بائع محترف، حققت له هذه الفنون وسلعتها كسباً وفيراً بالحد الأدنى من التعب، فأصبحت اداة نصب واحتيال.

 -2 صنف المتلقون، وهم من الباحثين عن ما يحاول ان يخبرهم اصحاب هذه الفنون بأنه متضمن فيها، وهي ثلاثي (الشهرة، والثروة، والصحة) حيث سينقسم المتلقي لهذة الفنون بين باحث عن هذه الثلاثية او احد اضعلها.

وهنا بيت القصيد، وهي فئة الباحثين عن الصحة سواء كانت صحة جسدية، او نفسية، او اسرية، او اجتماعية.

فمطلب هؤلاء الحصول على الصحة من خلال الوسائل التي يظنون انها نفسانية، حيث ان هذه الفنون تروج ان العمل على مكنون النفس بالشكل المناسب - نموذجها الاساسي يقع ضمن تقوية الأنا والاكتفاء بالذات والتمركز حولها، مع ربط مكنونها اللاواعي بالوعي الكوني للتأثير وتحقيق الجذب والجلب، وتعزيز الدفق الايجابي، وتوازنه مع المكون السالب، والتحرر من التفكير والشعور غير السار الموصوف لديهم بالسلبي- وبالتالي سيتحقق لهذه النفس في مكامنها قوة اكتفاء، وقوة، وحضور، وتحقيق المطلوبات والأمنيات.

وبالتالي يصبح اثر المؤثر على المكون النفسي كما يلي، بحسب ما يؤكد عليه مبادىء فنهم:

- الاستكفاء بالذات: حيث ان قوة النفس وتمكينها يتم من خلال رفدها بمصادر الطاقة الكونية التي تتخلل مسارات الطاقة السبع في الجسم، او في النسخة المخففة المتخفية، ان نفي التفكير السلبي وتردد الايجابي (وهي في اصلها مانترا تم تحويرها لتكون حديث ذات ايجابي والايمان المطلق به، سيجذبه ويحققه.

والأثر النفسي هنا بلغة نفسية يقع حين يظن الشخص ان كل مصادره ونقاط قوته ذاتيه داخليه، متجاوزة لحدود المحيط والواقع، ومجابة الأمال والتمنيات، عندها سيواجه ولا بد عقبات كبرى، لان الانسان لا يمكن ان يكون مستكفياً بنفسه لمواجهة الواقع، ولا يمكن ان يستغني عن مصادر المحيط من الناس لدعمه وشد عضده.

- الارادة: حيث ينظر ان ارادة الذات هي اساس تحقيق المطلوبات، وان الحظ السيء، والاحداث السلبية في نظر الشخص، والقلق والاكتئاب والاضطراب النفسي، هو مسألة ارادة، ويمكن التعامل معها والتخلص منها من خلال اعادة تجديد الارادة واستحضارها بقوة وعزم، وهذا بحد ذاته اهم اسباب انتكاس المرضى النفسانيين، مثل مرضى الوسواس القهري، او الاكتئاب السريري، او نوبات الهلع، او اضطراب المزاج ثنائي القطب، فهؤلاء اذا لم يبنى علاجهم ان الارادة هي " ارادة السعي للعلاج، ولكنها ليست ارادة ايجاد المرض، وانهم السبب فيه" كما الامراض الجسدية والتي تحصل لظروف متعددة، وغالباً فليس الشخص ذاته من تسبب بمرضه - لانتحدث عن الإهمال بالصحة او التقصد- لكن حال معرفة الشخص انه يعاني من ظرف صحي، تصبح مسؤولية وارادته في السعي لطلب العلاج، وبالتالي فإن النظر انك سبب اضطراب نفسي في حد ذاته يشكل صراعاً نفسياً حاداً خاصة وان الوسائل العلاجية التي يعرضونها بحد ذاته لن تفيد بالعلاج، وهذا يزيد حدة الصراع والاحباط لدى المرضى، بأنه السبب بل وهو اضعف من ان يساعد نفسه لنقص فيه، مما يعمق ويستديم المعاناة.

- المثالية: حيث لا تنظر هذه الفنون للفروق الفردية والاجتماعية، وترى ان هنالك حالة مثالية يجب ان يكون عليها الجميع اذا اتبعوا وصفتهم الشرية، وعدم تحقيقهم لهذه الفقاعة المثالية هو لضعف فيهم، وقصور عميق، وهذا أيضاً من مكامن زيادة مستويات الصراع وعدم الرضى عن الذات، او الاسرة التي لم تصبح مثالية، او الأولاد الذين لا يحققون المعايير الفضائية، مما يجلب استياءاً واحباطاً وصراعاً اسرياً وتربوياً وزواجياً.

-المعايير: تضع هذه الفنون سقف معايير مرتفع جداً، وتضلل المستمع في الامثلة التي تضرب لتقول له انك تستطيع، وهذا هو الصحيح وما عداه خطأ او ضعف، فتضيق الافق، بمبدأ اما او، وهذا من التشويه المعرفي، وتعميق الكمالية في نفوس المتلقين.

- المقارنات: تشغل هذه الفنون المتلقي بالمقارنات غير المكافئة في حقيقتها، مع نماذج النجاح والتفوق، وتنمي منظور المقارنة، بما يقلل مستويات الرضى عن الذات والآخرين، ويتسبب بمشاعر الغيرة والحسد عند بعض المتلقين، اضافة للإحباط ومشاعر العجز والدونية.

- الاستغراق في الذات: تشدد هذه الفنون على الاستغراق الزائد في الذات لتحقيق السعادة والنجاح، وهذا يعزز الانانية لدرجة قد تصل للنرجسية حتى، والاعتداد بالذات، والكبر.

- النفور الاجتماعي: توصي هذه الفنون باقصاء كل ما هو سلبي - على حد وصفهم- حتى الآخرين، وهذا يجعل المتلقي في حالة من النفور الاجتماعي والاستغناء عن اوساط اجتماعية كثيرة.

- اللذة: السعي للسعادة والايجابية الدائمة، هو حقيقة من مبادىء البحث عن اللذة بلا توقف - كما مبدء الهيبية في امريكا والبوهيمية- ولذلك قد يتغير مفهوم الحياة وتقبلها لدى المتلقي، بحيث ان البحث عن اللذة دائماً، ورفض الواقع والصعوبات وتجنبها، سيؤدي مع المدة لتراكم المشكلات، وضعف التحمل للصعوبات وتحديات الحياة.

-التحكم: تعزز هذه الفنون مفهوم التحكم لدى المتلقي، حتى ليظن نفسه المتصرف بالكون والآخرين جهلاً بقدره الحقيقي، من جراء تفخيم وتضخيم الامكانات البشرية الكامنة في الإنسان، وهذا من اهم مسببات القلق، حيث ان الرغبة في التحكم والسيطرة على المحيط والآخرين ليست أمراً حقيقياً، بل وغير ممكن، مما قد يورث حين يصر الشخص عليه الاحباط والعجز والقلق.

- النجاح: حيث تستعرض هذه الفنون - كما الرقص الاستعراضي- اسباب النجاح بعناصر سطحية وقد تكون سخيفة حتى، ولذلك تقلل من مستوى التفكير الواقعي لدى بعض المتلقين، مما يجعلهم فريسة للأخفاق، وتكرار الفشل.

الدكتور يوسف مسلَّم

اختصاصي العلاج النفسي

 

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم