العبث بالعقل

العبث بالعقل

الدكتور يوسف مسلم

العبث بالعقل

 

سلسلة أسبوعية تبحث في أساليب العبث بالعقل وتغيير الوعي المعرفي وتحريف القناعات.

 

مقدمة:
في ريعان الشباب تتفتح تجارب مختلفة، وتزهر خبرات متنوعة، وأذكر في تلك الفترة حين كان بعض من الزملاء الذين أعرفهم في الفترة الجامعية الأولى يبذلون الجهد في البحث عما يعزز " نسيانهم " كنت أخبرهم على الدوام بأنني سأبحث عما يعزز " تذكري"  فأقول لهم:
"
على قدر رغبتكم بالنسيان على قدر رغبتي بالتذكر" ، وعندما كان يسعى البعض "ليخدروا" عقولهم كنت أسعى بكل الجهد لجعل هذا العقل "يقظ"، وأقول لهم: " تبحثون عن كل ما قد يخدر عقولكم وأبحث عن كل ما يوقظ عقلي "، وكالعادة في خضم هذه الحضارة نجد أن مصادر توفير الهوى والشهوات تفوق بكثير مصادر العلم والتعلم، ورغم نعمة اليقظة العقلية وعمق المعرفة فهذا لا يمنع أن يكون لها بعض الآثار الجانبية، فكما لمواد خدران الوعي آثار جانبية، فمواد اليقظة لها آثار جانبية أخرى، وكما تصنع المؤثرات العقلية اعتياداً جسدياً ونفسياً، فكذلك قد نجد للمؤثرات المعرفية - إن جاز التعبير- اعتياداً نفسياً وجسدياً.
وخلال هذا المبحث لن أتطرق للمواد المخدرة كما قد يبدو من المقدمة، ولكنني سأتطرق لمواد اليقظة وتعزيز الوعي والمعرفة، وخاصة تلك التي تعبث بالعقل، وتحور تفكيره، وتحرف أنماط قياسه واستدلاله.
إذاً فهي سلسلة عن العقل، تلك الوظيفة
تلك الوظيفة الدماغية الفريدة، وكيف من الممكن أن يتم العبث به، والاحتيال عليه، وعندما يتم ذلك فستتغير أساليب إدراك هذا العقل فلا يعود ليحكم على الأمور إلا من خلال طرائق وأدوات غير دقيقة، فعلى سبيل المثال لو أراد أحدنا أن يسير في طريق مستقيم من نقطة أ الى نقطة ب، لكن خلال بداية مساره انحرف بزاوية حادة بسيطه بمقدار ١٠ درجات على سبيل المثال فسيجد أن الطريق الذي سلكه أوصله للنقطة ج بدل النقطة ب،.فأي انحراف ولو بسيط في المسار سيجعل الشخص يصل لمكانٍ آخر، وهذا ما يحدث لعقولنا، فعندما تُحرّف أساليب وعينا وإدراكنا ومقاييسنا العقلية فسوف نصل دائماً للنقطة ج بدل النقطة ب، لكن في المسير على القدمين سننظر حولنا ونعي أننا انحرفنا عن الطريق، أما في مسير العقل والوعي فعلى الأغلب أنه سيُشْكل علينا الأمر ونظن أننا وصلنا إلى النقطة الصواب، ولا ندرك خطأ مسارنا إلا بعد زمن، أو حتى قد لا نعي ذلك أبداً، فالمسارات العقلية تختلف عن الطرق البرية فليس فيها إشارات التحذير، ولا يتخللها إدراك لوجود المنحدرات وأخطاء المسار والطريق إلا بعد أن تقع فيها فعلاً.

 

العبث_بالعقل: الحلقة 2
" لا تظن أنك حين تحرر عقلك بأنك تجعله حراً حقيقةً، فربما تكون قد أرسلته لسجنٍ جديد"  يوسف مسلّم.

تحدثنا في الحلقة الماضية عن اليقظه وموادها المعرفية، وضربنا المثال التالي: لو أراد أحدنا أن يسير في طريق مستقيم من نقطة أ الى نقطة ب، لكن خلال بداية مساره انحرف بزاوية حادة بسيطه بمقدار ١٠ درجات على سبيل المثال فسيجد أن الطريق الذي سلكه أوصله للنقطة ج بدل النقطة ب، فأي انحراف ولو بسيط في المسار سيجعل الشخص يصل لمكانٍ آخر، وهذا ما يحدث لعقولنا، فعندما تُحرّف أساليب وعينا وإدراكنا ومقاييسنا العقلية فسوف نصل دائماً للنقطة ج بدل النقطة ب، وهذا سيؤثر لاحقاً في أساليب طرحنا ومباديء حياتنا.
في حلقة اليوم سنستخدم بعض الاستعارات والتشبيهات لتوصيف أساليب تحريف الإدراك والمعرفه، فعندما تريد معرفة أي شيء بعمق فالواجب أن تعرف ضده أيضاً لتلم بمعرفة شاملة وأعمق.
إن محرفات الإدراك والمعرفة يمكن وصفها ضمن أربعة مباديء أساسية كما يلي:

(1) مبدأ الرؤية في المرآة:
فالواجب بالمرآة أن تعكس الصورة الواقعية لما يظهر فيها، لكن الرؤية من خلال مرآة محدبة أو مقعرة ستجعل للواقع إنكساراً مشوه الجنبات والوسط، فهنالك دائماً أبعاداً أخرى للتفسير للظواهر، وقد تكون هذه أبعاد مقعرة أو مسطحة، ومثال ذلك عندما يتحدث البعض عن ما يسمى ( قانون الجذب ) فيقول أن مجرد التفكير بأمر ما سيجذب هذا الأمر لك، فهذه رؤية مقعرة تماماً، فهنالك مرآة صحيحة نرى فيها حقيقة ما يسمى ) قانون الجذب ( فالحقيقة أن إبقاء أي أمر في حيز تفكيرك - وحيز التفكير يتسع عادة من ٥ إلى ٩أمور أساسية - وبالتالي فإبقاء أمر في حيز التفكير يجعله من الأولويات في حياتك، ويؤدي لانشغال بالك فيه، مما يوفر الدافع لعمله وتحقيقة وتحَيُّن الفرص لعمله ومتابعته، فمرآة الواقع بأنك أنتَ من ينجذب له وليس هو الذي ينجذب لك.

(2) مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ:
فالطائرة الورقية تملك الخفة اللازمة للصعود في كبد السماء، بحيث توظف قواعد الفيزياء وديناميكية الهواء لتعلو وتصعد، والصاروخ ينطلق في الفضاء ضمن قواعد أساسية توظف فيها قواعد الفيزياء - قواعد نيوتن غالباً - فيبقى الصاروخ ضمن فلك ومدار، وهذا المبدأ يعني أنه في حين يدعوك البعض لتحرير العقل وإطلاقه في الفضاء الرحب الفسيح للفكر والتفكير، فهل يطلقون هذا العقل في الفضاء ومدارات التفكير دون قواعد أساسية؟ فلو طارت الطائرة الورقية دون خيطها لذهبت بعيداً وتحطمت، ولو انطلق الصاروخ دون مدار صحيح لتحطم هو الآخر، فيا ترا هل من الممكن أن يضيع العقل لو أطلقناه للفضاء دون حدود لتفكيره؟ ودون قواعد لمداره، ودون فلك واضح لمسيره ؟ فحتى التفكير الإبداعي له قواعد وأسس، وحين يقولون حرر عقلك فما نراه منهم أنهم يحررون الهوى - هذا سنتطرق له في المبدأ الرابع- فيتقيد العقل بالهوى، لأن تحرير العقل دون قواعد وحدود ومدار يعني تشتته وضياعه في مدارات الأهواء والشكوك.

(3) مبدأ محدودية العقل:
يثق الناس بمدى اتساع قدرات العقل البشري، لدرجة المبالغة في بعض الأحيان، لكن كم من درجة ضوئية أو أشكال إشعاعية لا يراها الإنسان، مثلاً الأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية، وكم من مستويات لدرجات صوتية لا يسمعها الإنسان، مثال ذلك الترددات الصوتية غير المسموعة، وكم من الممكن أن تختلط إحساسات الشم أو المذاق لبعض المواد فلا يميزها إدراك الدماغ؟ إن الحواس هي أدوات إدخال معلومات العالم الخارجي ليتم إدراكه، ومع ذلك فهذه الحواس لها حدود وادراك المحيط له حدود، إذاً "فحدود الإدراك البشري" قاعدة أساسية في فهم ما الذي نتوقعه من دماغنا، وبما أن العقل يتبع وظيفياً للدماغ، فالعقل أيضاً محدود بحدود إذا لم نفهمها ونعيها فسوف نسيء استخدام هذه الوظائف وفهمها، وبالتالي سنعطي قدرات للعقل أكبر مما فيه حقيقةً.

(4) مبدأ الهروب للسجن:
يطلب البعض أن تحرر عقلك، كما قلنا في آخر المبدأ الثاني، فتظن أنك تهرب من قيود وسجن التفكير، دون أن تنتبه بأنك تقع أسيراً في سجن لعقلك ضمن قيود الهوى، فغالباً ما يرافق إطلاق العقل بلا قيود الوقوع في سجن الهوى والشهوات، فالعقل مكابح الهوى، وتعطيل هذه المكابح يعني إطلاق الهوى، يقولون لك شك بأي شيء، ويقولون لك لا تثق بأي شيء، فتعتقد أنك تحرر عقلك بينما أنت تحبسه في هواه.

 

# العبث_بالعقل: الحلقة 3

" قدرات عقل الإنسان المذهلة، جعلت من الممكن لبعض العقول أن تخدع العقول الأخرى " يوسف مسلّم.

تحدثنا في الحلقة الأولى عن اليقظه الذهنية وموادها المعرفية، وفي الحلقة الماضية ذكرنا أن محرفات الإدراك والمعرفة يمكن وصفها ضمن أربعة مباديء أساسية كما يلي:

  1. مبدأ الرؤية في المرآة، وفيه وصف لطريقة تحليل الأمور من خلال رؤية محدبة أو مقعرة.
  2. مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، وفيه وصف لوجود مقاييس ومدار لإعمال العقل والتفكير.
  3. مبدأ محدودية العقل، وفيه توضيح لحدود قدرات الدماغ، وبالتالي العقل البشري.
  4. مبدأ الهروب للسجن، وهو تشبيه لحالة تحرير العقل من سجن الجمود مما قد يؤدي للوقوع في سجن الهوى.

وسنقوم اليوم بالتوسع في المبدأ الأول، وهو مبدأ الرؤية في المرآة، وكنا قد قلنا أن الواجب بالمرآة أن تعكس الصورة الواقعية لما يظهر فيها، لكن الرؤية من خلال مرآة محدبة أو مقعرة ستجعل للواقع إنكساراً مشوه الجنبات والوسط، فهنالك دائماً أبعاداً أخرى لتفسير أي من الظواهر، سواء كانت هذه الظواهر نفسية أو اجتماعية أو سياسية أو جغرافية أو علمية بحتة..، وإلا فلماذا على سبيل المثال نرى عدة نظريات نفسية تنظر كل منها بطريقة مختلفة لتفسير السلوك الواحد، لذلك سنتحدث عن عدة مرايا مختلفة يتم تحريف الوعي الذهني من خلالها فيصبح التفسير المحدب أو المقعر للبعض كأنه الواقع الحقيقي في الحياة، وسنقوم هنا بذكر أشكال التضليل التي يتعرض لها الناس.
(١) تزييف الثقة:  ونرى هذا الأسلوب من التضليل وتحريف الوعي في عدة مجالات أقربها ما نقرأه في بعض الكتب عندما يقول لك الكاتب ( يقول العلماء، أو يقول الحكماء، أو يقول الخبراء..) دون ذكر لمن قال ذلك، وحتى دون توثيق للمعلومة بحيث لا تستطيع معرفة هؤلاء المُدعى أنهم قالوا، والتضليل هنا بتزييف الثقة بحيث أن هذه البداية التي يخبرك فيها على سبيل المثال: (يقول علماء النفس) تجعل القاريء يثق بالمعلومة اللاحقة والتي قد تكون مضللة أحياناً، أو حتى خاطئة، فقد رأيت مقالاً قبل أيام كانت بدايته يقول علماء النفس أنه في حالة الشعور بالغضب من الضروري أن تفرغ ذلك بأن تقوم بالصراخ في مكان بعيد، أو ضرب مخدة أو كيس رمل، رغم أن دراساتنا النفسية حقيقة تقول أن إدارة الغضب يحب أن تتم من خلال السيطرة على هذا الشعور والتحكم فيه، وفي حال صار الشخص يلجاء للكم الأشياء فإن حالة الغضب ستتطور لحالة من العدوانية كونها أصبحت مرافقة مع المدة بالضرب كأسلوب تفريغ حتى لو كان هذا الضرب موجه لكيسٍ من الرمل، وهذا المثال يشترك أيضاً مع الشكل الثاني من أشكال التضليل وتحريف الوعي والمعرفة بما قد نسميه " أشباه أو أنصاف الحقائق أو المعلومات".

(٢) ممر البديهيات: هنالك بديهيات يتمتع فيها الجميع، ولا تحتاج منا للتفكير كثيراً، مثال ذلك حين تقرأ جملة تقول" وكما تعلم فإن الحزن من المشاعر المؤلمة لكل إنسان" فهذه معلومة بديهية، ولكن ما يحدث أن بعض الناس بعد أن يعطيك معلومة بديهية قد يتبعها بتفسيرات مضللة وخاطئة، لكن كون المقدمة بديهية فيزيد مستوى اقتناعك بما يتبعها رغم أنه في بعض الأحيان لا يكون صحيحاً، وأيضاً قد ترى في مثال الغضب في النقطة السابقة جزئية توضح هذه النقطة.
(٣) من التسويق للتلفيق: أعجبني ما قرأته في أحد المقالات حول أن التسويق الآن أصبح كتلفيق الأكاذيب في بعض الأحيان، فصار غلاف الكتاب الفاخر والدعاية الجذابة لهذا الكتاب تقنعك بأن هذا كتاب العصر رغم رداءة المحتوى العلمي فيه أحياناً، وصار اسم دورات التدريب الرنان يجذب الناس رغم محتواها الباهت وغير العلمي، وقفز البعض بألقاب ينتحلونها كلقب خبير ومستشار ومدرب، دون أن يكون للقب الفخم صلة حقيقية بعلم هذا الشخص وفهمه، فالعلم أصبح يلفق بدل أن يسوق، والعالم يلفق بدل أن يسوق والمتعلم يضلل في كل ذلك، وتجرأ البعض على إطلاق مسميات لما ادعى بأنها علوم سلوكية وإنسانية وكونية وطاقة، وكل ذلك يتم من خلاله فلسفات وقواعد وتجارب تضلل وعي الإنسان، كونه تأثر بالناحية التسويقية والاسم الفخم -ككتاب السر مثلا- فتبنى أفكاراً وفلسفات غريبة، مع قناعة ودفاع مستميتٍ عنها، فسبحان الله أصبحنا نجد الاستماتة في الدفاع عن الضلال أكبر وأقوى من الدفاع عن الحق.
(٤) أثر الهالة وحضور الإعلاميين: وتبعت ذلك بالتسويق والتلفيق لقربه من المفهوم في التضليل، وأذكر حين قامت أحد الإذاعات بعمل مداخلة "للخبيرة التربوية" وهي متخصصة في مجالات التربية لتتحدث عن اضطرابات نفسية وقد قدَّرت عدد الأخطاء العلمية التي قالتها بثمانية أخطاء منهجية من عشر قواعد أعطتها لنصح الأمهات المسكينات اللواتي سممت عقولهن للتو وضللتهن عن الحقيقة وأساءت لأولادهن، وهؤلاء المسكينات يتبنين أي شيء ويطبقنه دامه من مصدر إعلامي، ويقمن بمتابعة أسماء إعلامية لشهرتها وبهرجتها رغم عدم كفاءة بعض أصحاب هذه الأسماء في تخصصهم العملي، ونفس الإذاعة في برنامج آخر أرشدت الناس لأهم عشر أخصائيين في الاستشارات النفسية والسلوكية والتربوية، وكل من ذكرتهم لم يوجد بينهم أخصائي واحد مرخص من وزارة الصحة الأردنية لتقديم الاستشارات، رغم أنهم لو قاموا بالاتصال بوزارة الصحة- قسم التراخيص لزودوهم بأسماء ١٠٠ شخص مرخص على الأقل من حملة الشهادات العليا، بيت القصيد هنا أنه من أبواب التضليل وتحريف وعي الناس في بعض الأحيان أصبح الإعلام ذاته، كيف لا وهذا الإعلام باب تسويق الأشخاص والكفاءات أو هذا ما نظنه فيه، لكن للأسف فإن بعض القنوات الإعلامية لا تتمتع بالمصداقية، ولا حتى النزاهة والحرص على المعلومة لدرجة أن من يظهرون في الإعلام من مستشارين في معظم مجالات الخدمات سواء الصحية أو النفسية أو التربوية قام بعض منهم باحتكار بعض القنوات الإعلامية، وللإعلام والظهور الإعلامي هالة جعلت لهذا الإنسان تأثيراً في وعي وثقافة الآخرين، عدا عن دور بعض القنوات الفضائية الإخبارية في قلب الوعي والحقائق وإحاكة الدسائس والتحريش بين الناس.
وقد يكون معظم ما ذكرته في الأمثلة حول الاختصاص النفسي كونه اختصاصي، لكن ذلك ليس حكراً على الاختصاص النفسي، فسنرى هذا التضليل في علم السياسة والتاريخ، وللأسف حتى علوم الطبخ لم تسلم من المرايا المحدبة والمقعرة.
فهذه أشكال المرايا المحدبة والمقعرة والتي لا تعكس الواقع والحقيقة لينمو الوعي ويتطور من خلال رؤية الواقع والحقائق ومقاييس الرؤية الصحيحة

 

العبث_بالعقل: الحلقة   4

"قد تبدو بعض الأمور مقنعة، لكنها في حقيقتها مُقَنَّعة " يوسف مسلَّم.

بدأنا الحديث في هذه السلسلة عن اليقظه الذهنية وموادها المعرفية، وذكرنا أن محرفات الإدراك والمعرفة يمكن وصفها ضمن أربعة مبادىء أساسية كما يلي:
(1) مبدأ الرؤية في المرآة.
(2) مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ.
(3) مبدأ محدودية العقل.
(4) مبدأ الهروب للسجن.
وقمنا بالتوسع في المبدأ الأول، وهو مبدأ الرؤية في المرآة، وكنا قد قلنا أن الواجب بالمرآة أن تعكس الصورة الواقعية لما يظهر فيها، لكن الرؤية من خلال مرآة محدبة أو مقعرة ستجعل للواقع إنكسار مشوه الجنبات والوسط، وذكرنا أشكال وأساليب التضليل التي يتعرض لها الناس والتي تصنف تحت المبدأ الأول سالف الذكر وهي:
(1) أسلوب تزييف الثقة.
(2) أسلوب ممر البديهيات.
(3) أسلوب من التسويق للتلفيق.
(4) أسلوب أثر الهالة وحضور الإعلاميين.

وسوف نقوم بزيادة التوضيح لأول أسلوب في أشكال وأساليب التضليل من خلال الرؤية بمرايا محدبة أو مقعرة وهو أسلوب تزييف الثقة، والذي وصفناه أنه أحد أساليب ما قد يصح فيه أيضاً تسمية "أنصاف الحقائق والمعلومات"، فنحن عادةً ما نثق بمصادر بعض المعلومات ونعتبرها مصادر موثوقة، فالطبيب مصدر المعلومات الطبية على سبيل المثال، والدين مصدر الفهم للحياة الدنيا ومدار العمل للحياة الآخرة، ومن ممارسات أسلوب تزييف الثقة في الأمرين السابقين، نرى في بعض المقالات بداية مضللة للناس مثل قول " يقول خبراء الصحة " أو " يقول خبراء الجمال " وهذه للآن النصف الأول من الموضوع ولكن في بعض الأحيان قد يتبع ذلك الكلام كلام آخر غير دقيق، ولأن القارىء أو المستمع سمع البداية الأولى فسوف يشعر فوراً بالثقة فيما سيتبعها غالباً، حتى لو كانت المعلومة غير موثقة، ولم يتم تحديد قائليها على سبيل التحديد، وكثيراً ما نرى ذلك في الدعايات الترويجية، أو في بعض معلومات صفحات facebook فالهدف من المقدمة أن تكون مثل الكريمة اللذيذة الشكل لتقتنع بقالب حلوى على الأغلب مغشوش، فهي من الحيل التي تنطلي حتى على بعض المتعلمين والمثقفين، أما مثال المواضيع الدينية، وهو ما أصفه " صكوك الغفران والعذاب" ولا يخفى على أحد قصة صكوك الغفران، لكن ما نراه الآن من صكوك العذاب في facebook وأيضاً في whatsup بعض المنشورات التي يتم إرهاب الناس لنشرها، من مثل القول" الله يقطع يد اللي ما يكتب الله أكبر" أو صكوك الغفران من مثل قول " أرسلها لخمسة أشخاص وسيصلك خبر يفرح قلبك"، فإن تزييف الثقة هنا نراها في استغلال الناس وثقتهم بربهم ودينهم، بحيث يتم تزييف هذه الثقة من خلال تغليفها بصكوك الغفران والعذاب، لدفع الناس بالترهيب والترغيب الديني للتصرف ونشر منشورات أو صفحات أو مقولات أو أدعية، وغالباً تكون ذات محتوى غير دقيق ولا صحيح، وإلا فكيف يصح المحتوى لهذه المنشورات و أسلوب دفع الناس لنشرها غير صحيح وترهيبي، لذلك زاد انتشار الأدعية والأحكام الدينية الكاذبة من دافع ثقة الناس بأن أي موضوع في الدين أو عن الدين فهو صحيح فوقعوا فريسة أسلوب تزييف الثقة، وأسلوب تزييف الثقة يعكس حالة يمكن تسميتها ايضاً )حالة الصدق المختلط بالجهل(  فصدق العاطفة الدينية مع الجهل في الدين يجعل البعض يصدق ما ليس من الدين، فهو لديه عاطفة صادقة تجعله يثق بكل ما يرده ويظنه من الدين لكن جهله قد يجعله يثق بما هو خطأ وغير صحيح، وقد يتبناه وينشره، فيضل ويضلل الآخرين.

 

العبث_بالعقل: الحلقة ٥

" كلما ارتفع مستوى الثقة، كلما أصبحت مصدراً ومادة مناسبة أكثر لتضليل الآخرين" يوسف مسلَّم.

كنا قد بدأنا الحديث عن اليقظة الذهنية وتحريف الوعي، وقلنا أن هنالك أربعة مبادىء لذلك، ثم قمنا بزيادة التوضيح لأول مبدأ وقسمنا الأساليب التابعة لهذا المبدأ لأربعة أساليب أيضاً، وأولها أسلوب تزييف الثقة، ووصفناه أنه أحد أساليب ما قد يصح فيه أيضاً تسمية "أنصاف الحقائق والمعلومات"، حيث نثق بمصادر بعض المعلومات ونعتبرها مصادر موثوقة، لكن يتم تزييف ذلك واستغلاله لاحقاً لتحريف الوعي، وفي حلقة اليوم سنتحدث عن بعض أبعاد الموضوع بشكل تطبيقات واقعية من حياتنا اليومية، ولذلك سنغطي النقاط التالية بأمثلة تطبيقية مختلفها مثل موضوع الثقة والأطفال، والثقة وقضايا المجتمع، والثقة والوعي السياسي، والثقة والاقتصاد، والثقة ونمط الحياة.

لكن ما هي المعادلة الأساسية لأسلوب تزييف الثقة، إن المعادلة الأساسية خلف أسلوب تزييف الثقة ذات ثلاث محاور أساسية وهي ) عنصر الثقة - الفئة المستهدفة - اسلوب التزيف(.
وسنضرب عدة أمثلة حول ذلك.
-
 الشخصيات الكرتونية المشهورة والمضحكة، لفئة الأطفال، بهدف تمرير رموز جنسية أو معتقدات منحرفة، وهذا ما نراه في بعض أفلام ديزني، فقبل سنوات تم ملاحظة مناظر جانبية أو في خلفية الفلم لرموز عقائدية أو جنسية، وهنالك شخصيات كرتونية صنعت بهدف أن يحبها الأطفال وتصبح قدوتهم ليتم في ما بعد تقليدها واتخاذها نماذج مهما كانت تفعل، فبراءة الأطفال وطبيعتهم التطورية النفسية تجعل من كل جذاب لهم من الشخصيات قدوة ونموذجاً، وعندما تستغل البراءة بهذا الشكل فيكون بهدف تشكيل وعي الطفل ليناسب وعيه ثقافة مخالفة لثقافته، فيخالف أهل وطنه وعقيدته، فبدل تجنيد عملاء للأعداء، يتم تحريف وعي الأطفال ليصبحوا أقرب للأعداء من بني جلدتهم، وما هي إلا سنوات حتى نرى جيلاً يحب عدوه ويعتبره أقرب صديق له مهما طغى في بلده، فيرى فكر وعقيدة بلده بمرآة محدبة.
 -
مادة التعليم في المدارس، تستهدف حدثاء السن من الأطفال والشباب، فيتم تحريف الواقع والتاريخ لتدجين الأطفال، فكما يقول الكاتب الأمريكي
المشهور توماس فريدمان ) الحرب الحقيقية هي حرب المدارس، يجب تغيير المناهج لكي يقبل الطلاب سياستنا كما
يحبون فطائرنا(، فحدثاء السن يثقون بكل شيء يسمعوه للمرات الأولى، والمنهج التعليمي والبيئة المدرسية والمعلم، كل ذلك مصدر معلومة وثقة للطلاب، لكن عندما يتم تزييف الثقة بتدجين الأطفال ليصبحوا أقرب للأعداء من بني وطنهم وعقيدتهم، فهذا من جديد تزييف للثقة، فيرى الوطن وابن الوطن بمرآة مقعرة.
-
 المحطات الإخبارية، فئة الكبار ، تمرير أفكار سياسية أو تشويه الواقع السياسي، وقد تحدث الأمريكان على سبيل المثال قبل سنوات عديدة وبشكل علني عن تأسيس قناة الحرة لكسب الرأي العام في الشارع العربي، وهنالك قنوات كسبت مصداقية عالية على مدار عشر سنوات لكنها كانت تعمل ضمن " أجندة سابتة " أي في حالة سبات وبعد كسبها الشارع العربي بدأت أجندتها بالإفاقة وتزييف الثقة وقلب الواقع السياسي وحتى عروش الحكام، وقد أدخلت القنوات الفضائية أعدائنا لعقر بيتنا وأصبح الجميع يسمع رأيهم ووجهة نظرهم، فهذه القناة الفلانية جعلت من ) المغتصب الصهيوني ( مواطنٌ يعاني من الاضطهاد والهجمات، ويبرر ذلك بحجج تتفاجئ أنها أصبحت مقنعة للبعض بشكل يجعلنا نعي مقدار تزييف الثقه وتحريف الاتجاهات والرأي العام، وكمراسلة لقناة إخبارية مشهورة كتبت على صفحتها في الفيس بوك ونشرت فيديو عن مدى خطر مراسل عصابات الاحتلال الصهيوني ) أفيخاي أدرعي ( وكيف أصبح يمارس دوراً في التأثير على وعي الشباب والشارع العربي، وما كنا عرفناه إلا حين أدخلته قناتها ذاتها لبيوتنا من خلال شاشتها منذ ١٥ عام حتى أضحى أكثر شهرة في الشارع العربي من الوزراء العرب، وحتى البارحة تستمر ذات القناة وغيرها باستضافة المتطرفيين وأعداء العرب والمسلمين وإن كانوا فعلوا ذلك بحسن نية فما رأيناه أن الثقة بهذة القنوات زُيفت بهدف قبول الأعداء ورأيهم في الشارع العربي وبالتالي تغيير اتجاهات الناس وتوجهاتهم، وبالعادة فإن العاطفيين المندفعين بعاطفة قومية أو وطنية دون وعي كافي، يقعون فريسة تصديق رموز وشعارات وجهات وقيادات قد تكون صنعت بهدف تزييف الثقة، وتحويل التوجهات البريئة الصادقة العاطفية إلى وجهات قد تكون تماماً بعكس ذلك، فالعاطفة حين تعلوا على العقل تؤدي للاندفاع، والاندفاع هو آخر ما تحتاجه أوطاننا المكلومة.
-
البورصة العالمية ، فئة المستثمرين، الضربة القاضية بسحب الأموال، وهذا ما حدث في أزمة البورصة العالمية الأخيرة يشبه لحد بعيد قصة الرجل الذي استعار وعاء طبخ كبير من جاره ثم بعد يومين أعاد الوعاء الكبير وبه مقلاة صغيرة، ولما سأله جاره عن المقلاة قال له تصور لقد ولد الوعاء هذه المقلاة ليلاً، فظن الجار أن جاره أحمق، وبعد فترة طلب منه الوعاء الكبير مرة أخرى، فأعاره جاره إياه وعندما تأخر بإعادته للوعاء جاء جاره ليطالبه به، فبكى وقال له البقية في حياتك فلقد توفي ليلاً، فغضب الجار كثيراً متهماً له بالكذب، فقال له بمكر لقد صدقت أنه ولد ومن يلد قد يموت، وبالعادة فإن الطماع يقع في شباك النصاب عندما يزيف له الثقة، فيصنعها أولاً ليزيفها لاحقاً، فالرغبة بالغنى السهل السريع حين تطغى على التخطيط والمنهجية الإدارية تؤدي للوقوع في الاحتيال.
-
البرامج الاجتماعية الأمريكية والأوروبية، تستهدف المجتمعات العربية الفقيرة وقليلة الثقافة واللاجئين، تزييف الثقه بقبول مفاهيم غالباً ما تكون بعيدة عن مجتمعنا أو أنها قليلة الانتشار فيه، فخلال عملي في القطاع الإنساني لاحظت مدى انتشار البرامج الاجتماعية المستوردة، خاصة برامج المرأة وتحرير المرأة، والتي من خلال ملاحظتي قادتها نساء غالبهن يعانين من مشكلات في توجههن المجتمعي للأسف، واللواتي يحتجن هن أنفسهن لمساعدة في بيوتهن لافتقاد بيوتهن للأمان والاستقرار، وعلى ما يبدو فنحن نظن أننا نستورد حلولاً اجتماعية لبعض المظاهر الاجتماعية في مجتمعاتنا لكننا على الأغلب نستورد مشكلات المجتمعات الأخرى، فالحلول لقضايا مجتمع ما عند نقلها لمجتمع لافتراض وجود نفس المشكلة فيه تصبح مشكلة وتنمي المشاكل أخرى، فهذا تزوير للثقة حيث يثق البعض بعلوم الغرب الاجتماعية فيقع فريسة شراء البرامج وتشغيل خبراء أجانب نظنهم سيحلوا ما يبدو كمشاكل لدينا، لكنهم في الحقيقة يتغلغلون ويسببون اضطراب المجتمع العربي، ويبدو تأثير هذه البرامج قوياً حتى على الأخصائيين أنفسهم خاصة الإناث، فهنالك البعض منهن وبمجرد ما عملن في المؤسسات الاجتماعية ذات البرامج الغربية، اختلف سلوكهن على مدى خمس سنوات تقريباً، فاختلفت طريقة ملابسها وسلوكها إضافة إلى زيادة انتشار ظاهرة التدخين بينهن، وهذه ليست دراسة علمية لكنها ملاحظات لي ولعدة زملاء تستحق الدراسة والوعي لها.
اذاً فتزيف الثقة له معادلة أصيلة ولتلخيص عناصرها فهي كما يلي :

(1) عنصر الثقة: وهذا المحور يصف الرموز، أو الخلفية، أو المادة والتي تعتبر خامة عنصر الثقة، وغالباً ما يتم العمل عليها لصناعتها واكسابها ثقة عالية مثل الشخصيات الكرتونية أو القنوات الإخبارية، فالمظاهر تكسب الثقة، والمصداقية في البدايات تكسب الثقة، والصفة الرسمية تكسب الثقة، وبعض الأسماء والخلفيات المجمعية والثقافية قد تكسب الثقة.

(2) الفئة المستهدفة: ويتم عادة اختيار عنصر الثقة بما يناسب طبيعة الفئة وطبيعتها النفسية والاجتماعية، مثل ضربة البورصة لقطاع الأعمال الصغيرة.

(3) أسلوب التزييف: وعادة ما يكون مؤجلاً حتى يكتسب عنصر الثقة درجة عالية من المصداقية، ويستهدف أسلوب التزييف عادة جهل الناس أو براءتهم أو عواطفهم أو أهوائهم، ومنها أساليب صناعة الوعي والذي يستخدم مع الأطفال والجهلة والمتطرفين، أو تحريف الوعي والذي يستخدم مع المثقفين والمتعلمين، أو أساليب تضارب الوعي، وهو أصعبها على الواعين من خلال خلق حالة من التناقض المعرفي لزراعة الشك وتناقض اليقين.

إن الثقة كالجبال كلما صعدنا لقمة أعلى فقد يكون السقوط عن منحدراتها أكثر إيذاءً ، فهنالك من يدفع الكثير الكثير لصناعة عناصر الثقة، مع علمه أنه سيسترد الثمن في أقرب وقت متاح

 

العبث_بالعقل: الحلقة ٦

" في أروقة الوعي وممرات البديهة تتشابه الطرق، وإذا حدث و تهت فيها، قد تخالف نفسك، لدرجة أنك قد تصبح كعدوك اللدود " يوسف مسلَّم.

كنا قد بدأنا الحديث عن اليقظة الذهنية وتحريف الوعي، وقلنا أن هنالك أربعة مبادىء لذلك، ثم قمنا بزيادة التوضيح لأول مبدأ وقسمنا الأساليب التابعة لهذا المبدأ لأربعة أساليب أيضاً، وأولها أسلوب تزييف الثقة، وسنتحدث اليوم عن الأسلوب الثاني وهو ممر البدهيات.
إن ممر البدهيات - وقمت بتصويب الاسم بحسب الصحيح في اللغة العربية، غاية في الخطورة، ومن أجدر الأمور التي من الواجب التنبه لها، وبدهي في اللغة العربية تقال لكل ما هو: بيِّن ، جليّ ، مُسَلَّم به لا يحتاج إلى دليل ، وعندما نقول مِنْ البدهيّ : فتعني من الواضح، لكن هذا الوضوح قد يكون عبارة عن صورة في مرآة مقعرة أو محدبة، تخاله صحيحاً، وتسلِّمُ قطعاً بصحته، وما هو إلا زيفٌ وخداع، تم صناعته أو التلاعب فيه ليصبح من أسس ومسلمات تفكيرك ووعيك وقناعاتك.
ولتبيان ذلك بوضوح أكبر سنتحدث عن عدة أبعاد للبدهيات، وأهمها:
 -
صناعة البدهيات.
 -
تحريف البدهيات.
-
 زعزعة البدهيات.
وسنبدأ أولاً بصناعة البدهيات، فتخيل معي أن بعض ما نعتبره بدهياً ومسلماً به ما هو إلا كذبة أصبحت جزء من وعينا، إن صناعة البدهيات من أكثر الصناعات التكتيكية الحربية استخداماً، فلم يعد هدف أي احتلال فقط احتلال الأرض، لكن أيضاً احتلال مساحات شاسعة من الوعي واليقظة، وقد قال شاعرٌ منشداً ذلك:
إحذر أن يحتل عدوك روحك،،،
انتهت الحرب إذا ما احتل عدوك روحك،،
فلم يطور عدونا صواريخه النووية فقط، لقد طور حرباً يحتل فيها الوعي والانتباه حتى، فالحرب النفسية غدت الآن أقوى ترسانة لاحتلال الوعي وتدمير الفكر والثقافة والهوية.
وفي صناعة البدهيات تأخذ كلمات أو جمل معينة دلالة ومعنى مسلَّم به، ومن بعض الأمثلة على ذلك:
-
عقدة المؤامرة: وهي من المصطلحات التي درجت على ألسنة الناس والمثقفين خصوصاً منذ الثمانينات، وأصبحت مصطلحاً كلما تحدث أحدنا عن مؤامرة ضد العرب أو المسلمين واجهك أحدهم بهذا المصطلح متهماً إياك بأنك تعيش وهماً وأنك تعاني - وبحسب رأيك في أي قضية- من درجة ما من عقدة المؤامرة، والتي أصبحت كتشخيص طبي لحالة الوعي ولا يحتاج لمتخصصين لتشخيصه، وانتشرت على ألسنة ومعرفة الناس كمعرفتهم لحالة الرشح والزكام، إن اصطناع هذا المصطلح الذي بعد ذلك صار بدهي بأننا قوم معقدون نتوهم المؤامرة جعلنا نصدق هذه الكذبة، فمنذ اغتصاب فلسطين حتى وفاة الطفل ايلان غرقاً على شواطئ أوروبا لم تدر ضدنا أي مؤامرات تذكر، وما زال البعض حتى اللحظة تحتل وعيهم كلمة) عقدة المؤامرة ( والتي أصبحت بدهية ولا تتقبل عقولهم غير ذلك، فالمؤامرة هي وهم بالنسبة لهم، هذا ما أصبح مسلماً فيه بعد زراعة هذه الأكذوبة والتي هي أشد انفجاراً من العبوات الناسفة، فهي الناسفة للوعي والواقع.
أما الشكل الثاني وهو تحريف البدهيات فمن الأمثلة عليه أيضاً،
-
مصطلحات التطبيع: وهذه المصطلحات تصنع بهدف تحريف صور موجودة لتأخذ تصورات ومعاني أخرى، ثم تفرض في الإعلام والكتب وحتى المنهاج التربوي، حيث أن هذه المصطلحات تصبح بدهية وبديلة وذات دلالة مختلفة عن واقعها الحقيقي، فمثلاً استخدام مصطلح ( مشروبات روحية بدل خمور (، أو ) المثلية بدل الشذوذ ( أو ) جيش الدفاع الإسرائيلي بدل قوات الاحتلال الصهيوني ( وهذا ما جعلني في لحظة اعترض لدا المكتب الإعلامي لمنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية أثناء عملي معهم، فقد كانوا يستخدمون مصطلح جيش الدفاع الإسرائيلي ومقابلة المنظمات الفلسطينية المتناحرة بدل فصائل المقاومة الفلسطينية في مجلتهم وتقاريرهم، وتحججوا أن هذا الاسم الرسمي، ولم يعبؤا بأن الاسم الرسمي الآخر الذي لفصائل المقاومة الفلسطينية، وسموها المنظمات المتناحرة، بحيث أصبح المسمى بدهي للعاملين معهم حتى من الفلسطينيين أنفسهم - علماً أن مكتبهم الإعلامي الذي صدرت عنه المجلة العربية في دبي- ، لاحقاً استقلت بعد أن تبين لي أن المنظمات الدولية التي تسوّق لنا - أيضاً بدهياً - بأنها محايدة وموضوعية، ما هي إلا منظمات متورطة في هذه المؤامرة الكبيرة على الأرض والإنسان، لكن بدهياً سيتهمني أحدهم الآن بعقدة المؤامرة الصناعة الأولى للمصطلحات البدهية، حيث سيكون البعض متأثر بمعتقده البدهي بأنها منظمات للإنسان والسلام.
أما النوع الثالث فهو زعزعة البدهيات ومثال على ذلك
-
قلب الحقائق: وهي من طرق زعزعة البدهيات لكون الشخص تقلب أمامه الحقائق بصورة صادمة للحظة تجعله غير واثق من بدهياته القديمة، وأحد أمثلة ذلك كلمة مشهورة قالتها وزيرة العصابات الصهيونية في السبعينات جولدا مأيير " نستطيع أن نسامح العرب لقتلهم أولادنا، لكن لا نستطيع أن نسامحهم لإجبارنا على قتل أولادهم، ولن يكون بيننا وبينهم أي سلام حتى يحبوا أولادهم على قدر كراهيتهم لنا "
إذا فالبدهيات هي مسلماتنا التي نثق بها، والتي يعمل أعدائنا على صناعتها، أو تحريفها، أو زعزعتها لاحتلال الوعي والإنسان، فتخيلوا كيف أن إنتاج الثقافة والمعرفة أصبح مشوهاً، والخطر الحقيقي الذي أصبح يحيق بنا من كل جانب.

 

العبث_بالعقل: الحلقة  ٧

" إن كلمة تلفيق وكلمة تسويق على قافيةٍ واحدة، لكن المشترك الآخر بينهما أنهما وجهان لعملة واحدة في بعض الأحيان "
يوسف مسلَّم.

عندما بدأنا الحديث عن اليقظة الذهنية وتحريف الوعي، قلنا أن هنالك أربعة مباديء لذلك، ثم قمنا بزيادة التوضيح لأول مبدأ وهو الرؤية في المرآة، وقسَّمنا الأساليب التابعة لهذا المبدأ لأربعة أساليب أيضاً، وأولها أسلوب تزييف الثقة، والثاني أسلوب ممر البدهيات، وسنتحدث اليوم عن الأسلوب الثالث وهو أسلوب تلفيق التسويق، حيث يمكن رؤية هذا يومياً في حياتنا اليومية خاصة في وسائل الإعلام.
إن التسويق أصبح من أهم أساليب ووسائل المرور للناس سواءً عبر الإعلام المرئى والمسموع، أو عبر الصحف والمجلات والمنشورات، كما ظهر اختصاص التصميم والجرافيكس بشكل لصيق للتسويق، لشدة اهتمام المسوقين بالدعاية والإعلان والأشكال والألوان، مروراً من أكثر الطرق اختصارً للمستهلكين والجمهور، فالصورة وسيلة لطبع الانطباع بعمق في أذهاننا.
وسنبحث تلفيق التسويق كأسلوب ضمن عدة أبعاد أساسية كما يلي:
-
المعلومات المتحيزة.
-
 حصر الانتباه.
 -
ضمانات ملفقة.
-
 العملة ذات الوجهين.
 -
التصنع.
-
 إثارة الأهواء والشهوات.
ولتوضيح هذه الأبعاد فسنقوم بعرض أمثلة تطبيقية حول كل بعد.

-  المعلومات المتحيزة.
والتحيز يكون لمعلومات معينة بما يعزز وجهة نظر محددة، وهذا ما نراه في نشرات الأخبار والصحافة والتي غالباً ما تتحيز في ما تعرض أو تستضيف من ضيوف أو كتاب، حيث سترى بوضوح تحيز هذه المنابر الإعلامية لأجندات سياسية محددة، وتقوم بعرض ما يتناسب مع هذا التحيز ويدعمه، حتى الخبر التابع لخبر آخر تراه جاء ليزيد تحيز ذلك الخبر الذي سبقه، ولا علاقه لتسلسل الأخبار واللقاءات اللاحقة بالبراءة والموضوعية.

 - حصر الانتباه.
يكون من خلال تركيز انتباهك لجزء ما بشكل كبير بشكل يغيب عنك الانتباه لبقية التفاصيل، مثل ما يقوم به الإعلام أثناء الأخبار بتغطية خبر معين وبإغراق شديد والإغفال قصداً لتفاصيل أخرى في نفس الخبر، مثلاً ما قامت به بعض وسائل الإعلام عند عرض خبر ما حدث في "صحيفة شارلي ايبدو " حيث كان هنالك تسليط للضوء على أحداث أو حوارات تحصر الانتباه تماماً أن من قام بذلك هم جماعة إسلامية، والمضحك في الأمر أن منفذي الهجمات كلهم قتلوا ومعهم جوازات سفرهم، وهكذا تعرفوا على أصولهم، وكان منفذي العملية اصطحبوا هذه الجوازات لأنهم قد يحتاجونها للمرور للحياة الأخرى أيضاً بعد هجوم لا يحمل في طبيعته إلا الموت.

-  ضمانات ملفقة.
ذهل العالم بالحلم الأمريكي في الحياة الحرة والثروة والسلطة وتحديداً في بداية الثمانينات، حتى رأينا إخراجاً مسرحياً لذلك من خلال دورات تدريبية في بداية عام ٢٠٠٠ تدعُ الناس لضمان النجاح والثروة بمجرد إيمانه بهذه الأفكار، وهذه الأفكار التي تعكس في جوهرها نمط الحياة الرأسمالية، وتضخم الثروة والأسواق، وسيلان اللعاب اتجاه المال والسلطة، فقد سربوا أفكارهم لعقول الناس التي تبنتها فوراً، فما أسهل تبني ما يخدم المصلحة ويضمن النجاح، خاصة لكون هذه المعتقدات والتي هي أقرب لأن تكون عقائد الطريق للإنجاز والعمل والتفوق والنجاح والثروة، وخدع الناس بالضمانات دون النظر لحقيقتها وغايتها وأبعادها القابعة في الظل، فما نتبناه من أفكارٍ تصنع وعينا سيكون لها أحياناً آثار جانبية تحرف الوعي وتزيف الحقائق، فما كان من أثرها إلا ارتفاع الفردية والإيمان بالذات والركون لقوة العقل، بعكس ما نراه جاريٍ في الدول العقائدية والتي تربي شعوبها على الجماعية والغيرية والركون لشكل إيمانها، فنرى شعارات جيوشهم تقول ) كن مجهولاً، احم وطنك، مُت بشرف (

 - العملة ذات الوجهين.
في طفولتنا العصية على تصنيفها حسب معايير جودة الطفولة، كان من أحب ما نشاهده على الشاشة الصغيرة -محدودة الخيارات في حينها- كل ما يدور حول الشجاعة والبطولة، وكم كانت الفرصة عظيمة بالنسبة لنا لو حصل وشاهدنا فلم لبروسلي، أو أبطال معبد الشاولين الذي أصبح معروفاً لنا كمعبد يدعو للخير ويدافع عنه الأبطال، وإضافة لقوة انجذابنا لكل حركات القتال وفنون الدفاع عن النفس، فقد كانت تجذبنا طقوس معبد الشاولين، والشموع، والسجود بإجلال أمامها، إن تسويق مذهب البوذية ضمن قصص البطولة والقوة ما زال موجوداً للآن، غير أن التسويق في برامج الأطفال أصبح أيضاً للسحر والشعوذة كطقوس للقوة والدفاع عن الذات، فمن وجهة هي قوة لكن الوجه الثاني هي وثنية وكفر يمر ضمن ممرات وعينا ويلصق فيها ما يلصق.

 - التصنع.
إن الرداء الأبيض للطبيب ذا موثوقية عالية، فهو في وعينا ضمن فئة المصدقين أصحاب الاختصاصات الإنسانية، لذلك نرى كثير من الإعلانات يتم فيها استغلال هذا الرداء الأبيض لتسويق سلعة، أو عرض لقطة فيها رجل ملتحي كإشارة للمتدينين، أو شخصية ذات قدر لزيادة الوثوق بما يعرض، فالتصنع في الدعاية والإعلان والأفلام والأخبار موجود بشكل واضح، وأحد أغربها إعلانات كبيرة الحجم عرضت قبل فترة حول الإساءة للمرأة في كل لوحات الشوارع، وكل الصور فيها لنساء محجبات، حاربوا طوال طفولتنا المناهج لتكون صور المرأة في مناهج التربية دون حجاب، لكن عندما يتحدثون عن المرأة التي يساء لها فالصور لنساء محجبات فقط.

 - إثارة الأهواء والشهوات.
لقد أصبحت كثير من السلع مرتبطة بتعري المرأة، وإثارة الشهوة والرغبة المحرمة، حتى عصير الفاكهة لم تسلم شفاه المرأة من تسويقه كرحيق للذة والشهوة، ويبقى السؤال هنا هل تهدف هذه المادة الإعلانية لرفع قيمة المادة الاستهلاكية، أم أنها تهدف لاستهلاك قيمة المرأة؟.
إذاً لم يعد التسويق وأساليبه المختلفة بريئة من تحريف وعينا، وغرس الغث والسمين من الأفكار والمعتقدات في عقولنا، لقد نقلت ساحة معركتنا إلى داخل بيوتنا حيث تلعب الشاشة دوراً في احتلال ساحات الوعي وإثارة المعارك.

 

 

 (الحلقة ٨)

" إن الإنبهار هو التأثير الأقوى لامتلاك كامل الثقة " يوسف مسلَّم.

كنا قد بدأنا سلسلة العبث بالعقل، حيث قلنا أن هنالك أربعة مباديء لأشكال العبث، وسبق أن قمنا بزيادة التوضيح لأول مبدأ وهو الرؤية في المرآة، حيث قسَّمنا الأساليب التابعة لهذا المبدأ لأربعة أساليب أيضاً، كان أولها أسلوب تزييف الثقة، والثاني أسلوب ممر البدهيات، أما الثالث فهو أسلوب تلفيق التسويق، أما حديثنا اليوم فسيكون حول الأسلوب الرابع والأخير من المبدأ الأول وهو الرؤية في المرآة، هذا الأسلوب الذي سبق وأطلقنا عليه اسم (أثر الهالة والحضور الإعلامي ).
كما يطيب لأهلنا أن يقولوا " في أيام العز " والتي يقصد بها أيام زمان بعيد كانت فيه المدينة لا تتعدى بلدية صغيرة، وطابع الحياة العام كان قروياً، ففي ذلك الزمن كانت الحضوة الإجتماعية للأستاذ أي المعلم، والذي كان يعد أعلى الناس معرفةً، ثم للدكتور والذي افترض الناس أنه من يفهم بكل شيء وكان لقبه الشائع (الحكيم)، فدكتور القرية ناطقها الإعلامي وإذا حدَّث عن أي أمر كان يتناقله الناس بمصداقية، فيقولون "قال الدكتور...كذا وكذا "، ورغم تقدم وسائل العصر والعلم فما زالت الهاله التي يضفيها الناس على أشخاص محددين تلعب دوراً كبيراً في استقبال أي أمر منهم دون تفكير في مدى صحته، لكن الهالة المحيطة للأشخاص تم نقلها اليوم لتحيط بالشخصيات الإعلامية، فمن يتكرر ظهوره في الإعلام أصبح من المصدقين من قبل الناس، وصار مدى الظهور في الإعلام مقياساً للعامة لمدى فهم وعلم هذا الشخص، لدرجة أن بعض دور النشر تستغفل القراء فتكتب عن الكاتب أنه حل ضيفاً على عديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية وذلك كإشارة لمدى مستوى شهرة وفهم وعلم هذا الكاتب.
لقد أصبحت الشهرة الإعلامية الهالة المحيطة للحضور في حياة الناس، لكن وللأسف فتجربة دكتور القرية تعود من جديد، حيث يتوقع من هذا الإعلامي أن يكون خبيراً في كل شيء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعب مقدم برنامج خواطر " أحمد الشقيري "من الشرح والتوضيح علناً بجملته المشهورة (أنا لست شيخاً أو عالماً ) ولكن المشاهدين المبهورين لا ينفكون يقحمونهم بفتاوى وآراء، حتى امتلاء الفيس بوك بصور يشير علينا فيها الشقيري للقضايا الاجتماعية والتربوية والنفسية والاقتصادية.... .
إن غالبية القنوات الإعلامية تشارك في صنع الهالة والحضور الإعلامي لبعض الأشخاص حتى تخال أنه لا يوجد غيرهم في هذا المجال، ولم يتنبه بعض المتابعين أن الإعلام مهنة بحد ذاته، فكما يوجد الطبيب المختص المحترف في مجال عمله السريري، يوجد الطبيب المختص بالإعلام والذي يتقن الظهور الإعلامي، مع العلم أن هذا الأخير قد يكون أقل كفاءة من سابقه في ممارسته لمهنة الطب على حقيقتها، فالمهارة الإعلامية على أهميتها، ليس لها علاقة بالضرورة بالمهارة المهنية سواء كان محامياً أو طبيباً أو صيدلانياً، ولا أريد أن أحصر ذهن القارئ هنا ضمن فكرة قد تبدو وكأنها تقول أن الظهور الإعلامي خطأ ومشكلة، لا بل على العكس فالظهور الإعلامي يعزز في نشر الفهم والعلم والاختصاصات، لكن ما ادعوا إليه هو الخروج من قالب فكرة (دكتور القرية ) وإدراك أن معايير الحكم على من يظهر في الإعلام يجب أن تكون واقعية ومنطقية، فقد استغل البعض الإعلام لصناعة هالة حولهم استطاعوا من خلالها خداع الآخرين أو تسويق أفكارهم المسمومة والتي تلقاها المتابعون بانبهار وثقةٍ جعلتهم يتبنونها من حيث لا يشعرون.
إن الحضور الإعلامي وأثر الهالة قد نقل الناس حتى لإعطاء مصداقية ومتابعة آراء بعض الممثلين والمغنين، وكما أشارت أحلام مستغانمي - بغض النظر عن مدى اتفاقي مع كتاباتها- كما أشارت في مقالتها (دافعوا عن وطن... ) حيث تقول كانوا يدعون سابقاً للدفاع عن وطن تولستوي أو غيره من الأدباء والفلاسفة، لكن الإعلام نقل الناس ليروا دولهم وأوطانهم من خلال المطربين والممثلين، والذين صارت مشاركتهم في الحياة العامة والرأي العام أهم من آراء الخبراء والحكماء.
إذاً فللحضور الإعلامي أثر بالغ في الشهرة وإعطاء هالة تسبب الانبهار وتقبل أفكار الإعلاميين، الذين قد تكون صناعتهم التي يتقنونها الظهور في الإعلام فقط لا غير.
أنهينا في هذه الحلقة الحديث عن المبدأ الأول وهو الرؤية في المرآة، وأوضحنا من خلال الأساليب الأربعة فيه كيف من الممكن أن نرى في مرآة مقعرة أو محدبه تعكس واقعاً محرفاً أو منحرفاً ورغم ذلك نظن أن الصورة المنعكسة هي الصورة الحقيقية، وهي الواقع.

 

(الحلقة ٩)

" إن كانت المبادئ العلمية تحكم كل علمٍ من العلوم فهذا يعني أن يحكم العلم مبادئ التفكير أيضاً " يوسف مسلَّم.

تحدثنا منذ الحلقة الأولى عن اليقظة الذهنية وموادها المعرفية، وذكرنا أن محرفات الإدراك والمعرفة يمكن وصفها ضمن أربعة مباديء أساسية كما يلي:
(١) مبدأ الرؤية في المرآة.
(٢) مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ.
(٣) مبدأ محدودية العقل.
(٤) مبدأ الهروب للسجن.
وتطرقنا خلال عدة حلقات لتفاصيل وأبعاد المبدأ الأول حتى وقفنا على المفهوم وكافة أبعاده، أما اليوم فسوف نبدأ بإذن الله بالتوضيح لأبعاد المبدأ الثاني وهو مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، حيث وصفنا سابقاً أن الطائرة الورقية إن طارت بغير توجيه تاهت وتحطمت، وأن الصاروخ لو ترك بغير حساب لقوة إندفاعه ومدىً يناسب دورانه لتاه وفقد اتجاهه وتوجهه، وهكذا العقل حين نطلقه في الفضاء.

كما نعرف جميعاً، فإن قوانين ومبادئ الفيزياء تحكم علم الفيزياء، فمن خلال النظريات والقواعد والمسلمات الفيزيائية كما في قوانين نيوتن على سبيل المثال نفهم الفيزياء ونستخرج تطبيقاتها العملية ، كما تحكم مبادئ الكيمياء كافة التفاعلات والمرَّكبات الكيميائية، ونجد أن كل علم نعرفه مثل الرياضيات أو الأحياء أو علوم الأرض والتكنولوجيا لا تخرج من قاعدة أساسية مفادها ( كل علم محكومٌ بمباديء أساسية، وكل عالمٌ قام باكتشاف علمي إنما قام باكتشاف مباديء علمية لم تكن معروفة من قبل).
إذاً فالمباديء الأساسية هي ما يحكم كافة العلوم مهما كانت طبيعتها، أي أن المتعلم لأي علمٍ كان يجب عليه تعلم مباديء العلم الذي يريد التخصص فيه ليصبح من علمائه، وهذا بدوره يقودنا لقاعدتان هامتان هما:
١- مهما كان ذكاء المتعلم فيجب عليه التزام المباديء والقواعد العلمية للعلم الذي تخصص فيه، فالقاعدة هنا: يجب أن يتم ضبط العقل ضمن مباديء العلم الذي يريد التفكير فيه، وإلا ما عاد علمياً.
٢-  بما أن العقل يُضبط ضمن قواعد العلم، فإن الانطلاق بالتفكير دون مبادئ وضوابط للتفكير العلمي لا يعتبر من (قواعد التفكير العلمي ) وهذا معناه التشتت في تفكير غير علمي أو خارج المباديء العلمية، كالطائرة الورقية بغير تحكم، أو الصاروخ بغير مدىً لدورانه، أي التفكير العبثي، والقاعدة هنا: العقل يحتكم بمباديء العلم، إذاً مبادئ التفكير العلمي أساس ضبط العقل ومنهجية التفكير العلمي والمنطق السليم.
وهذا يقودنا لنفهم قضيةً أساسية وجوهرية خاصة بالعقل مفادها: إن عدم وجود ضوابط للتفكير أو قواعد أو مبادئ علمية تحكم التفكير ما هو إلا كإطلاق صاروخ في الفضاء دون مدار واضح، مما سيعمل على فقدان هذا الصاروخ بخروجه عن مداره ثم انفجاره، أو فقدانه للأبد.
وهذا ما نجده في ما يطلق عليه بإطلاق قواك الخفية، فلو كان مقصود ذلك القوة النفسية الكامنة في داخل كلٍ منا والتحفيز للتخطيط والتطوير والتطور والتعلم والتحمل والصبر فلا بأس في ذلك، لكن عندما يُقصد تحرير العقل وإعمال الفكر والتفكير كيفما كان حتى يستفيق ذلك العملاق كما وصفه أحدهم، فهذا لن يوصل الإنسان لأي مكان، فان إطلاق العقل البشري دون تدريبه على مبادئ تحكم تفكيره وأسلوبه العلمي وهو ما نراه يحصل عندما يقول لك أيقظ قواك الخفية، وهذا بالضبط يتناسب مع إيقاظ الطفل فيك، مثلما كان أهلنا في صغرنا يقولون لنا " إلعبوا زي ما بدكم لكن ما تخربوا " ولم يحددوا لنا معنى تخريب فيكتشفوا لاحقاً ان التخريب أصبح جزء من لعب الأطفال، فعندما توقظ قواك الخفية فحقيقة ما يحدث أنك توقظ تفكير الطفل داخلك بطريقتة الطفلية الحالمة بالتفكير والأمنيات، فيتوه العقل في مساره في فضاء الخيال والرغبة والتمني، فلا نرى طحيناً ولا نسلم من صوت المطحنة.

إن مدار التفكير يجب أن يتحلى بالتوازن، ويعزز بمبادئ أساسية، وإلا وقعنا في أخطاء التفكير ومغالطات قد تبدو منطقية، ولهذا سنبحث في هذا الباب بأخطاء التفكير والمغالطات المنطقية الأساسية المعتمدة في علم النفس المعرفي العلاجي، وقد تم تحديدها ضمن مسميات كما يلي:
١-  التفكير القطبي: حيث نرى الأمور ضمن قطبين إما سلبي أو إيجابي دون وجود مساحات متوسطة بينهما.
٢-  التفكير الإنتقائي: حيث نركز على تفاصيل ونهمل تفاصيل أخرى دون وجود منهجية لذلك الانتباه الانتقائي.
٣-  الاستنتاج التعسفي والانطباعية: وهي الانطلاق بنتائج مسبقة وانطباعات أولية دون أدلة كافية.
٤-  التعميم الزائد: تعميم التفكير بحدوث أمر سلبي نتيجة لحدوثه سابقاً مرة واحدة.
٥-  التهويل والتهوين: تضخيم الأمور كأنها كارثية، أو التقليل من شأن أمور أخرى كأنها هينة.
٦-  إساءة التوصيف: إعطاء أوصاف غير دقيقة وقد تكون جزافية.
٧-  المغالطات المنطقية: مغالطات تحتاج للتنبه لأنها تبدو منطقية ومقنعة جداً، لكنها في جوهرها تحمل خطأً علمياً في أسلوب التفكير.
وسنقف على كل من النقاط السابقة في حلقة كاملة لاستيفاء شرحها وتعلم منهجيتها والحذر من خطئها.
إذاً فهذا الباب هو دعوة للانتقال للتفكير العلمي المنهجي، وتعزيز تعلم المبادئ الأساسية لعمل العقل والمنطق، وتوظيف ذلك بفهم وإدراكٍ سليم.

يوسف مسلَّم.
أخصائي العلاج النفسي.
(سلسلة أسبوعية تبحث في أساليب العبث بالعقل وتغيير الوعي المعرفي وتحريف القناعات).

 

 

(الحلقة ١٠)

" عندما يعتقد البعض أن معاييرهم تجعل منهم أشخاصاً مميزين، فقد تكون هذه المعايير ذاتها سبب في معاناتهم من الإحباط الشديد في يومٍ من الأيام" يوسف مسلَّم.

بدأنا منذ الحلقة الماضية في الحديث عن المبدأ الثاني من مبادئ تحريف الوعي والإدراك وهو مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، وكما تطرقنا خلال عدة حلقات لتفاصيل وأبعاد المبدأ الأول حتى وقفنا على المفهوم وكافة أبعاده، فسوف نبدأ بإذن الله بالتوضيح لأبعاد المبدأ الثاني وهو مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، وكنا قد وصفنا سابقاً أن الطائرة الورقية إن طارت بغير توجيه تاهت وتحطمت، وأن الصاروخ لو ترك بغير حساب لقوة إندفاعه ومدىً يناسب دورانه لتاه وفقد اتجاهه وتوجهه، وهكذا العقل حين نطلقه في الفضاء.
ولهذا سنبحث في هذا الباب بأخطاء التفكير والمغالطات المنطقية الأساسية المعتمدة في علم النفس المعرفي العلاجي، وسوف نتحدث عن أول أخطاء التفكير حسب التصنيف وهو ""التفكير القطبي"".
يوصف هذا الشكل من أشكال التفكير بالحكم على الأمور ضمن قطبين إما سلبي أو إيجابي دون وجود مساحات متوسطة بينهما، ونتيجة ذلك فأحكام الشخص الذي لديه هذا التفكير تكون فقط على قطبين، معي أو ضدي، أسود أو أبيض، ناجح أو فاشل، فهذا مقياس له مكانه المحدد، مثل أن نقول أن العبث بأسلاك الكهرباء مميت، أما حين نقيس على هذا المقياس أمور الحياة الأخرى ونفترض أن هنالك قطبين فقط لأي شيء فهذا سيجعلنا نميل للكمالية، ونجعل أحكامنا متطرفة،.وثأثير ذلك على من يتبنى هذا المقياس في معظم أمور حياته أنه سيعرضه لتكرار الإحباط بسبب عدم قدرتة على تحقيق المعايير الصعبة التي يضعها لنفسه، تخيل معي أننا أمام أربعه طلبة من طلاب الثانوية، الأول يقول إن لم أكن الأول في مدرستي فهذا يعني أنني فشلت، والثاني يقول إما أن يكون المعدل ما فوق ٩٥ أو سأكون فاشل، الثالث يقول إذا لم أكن ضمن العشرة الأوائل سأكون فاشلاً، والأخير يقول يجب أن يتراوح معدلي ضمن ٩٠ وأكثر، يا ترى من منهم يعاني من مستوى عالي من الضغط النفسي والإحباط ؟
لقد لعبت بعض برامج الأطفال دوراً كبيراً في زيادة مستوى التفكير القطبي لدا أطفالنا، فهي تطل علينا بقصص الأخيار مقابل الأشرار، حيث الأخيار أخيار بالمطلق والأشرار أشرار بالمطلق، وهكذا يتربى طفلنا على ذلك، إضافة لفكرة معي أو ضدي.
إن التطرف الفكري يمر من باب التفكير القطبي، حيث يغرس في أصحابه معاييراً قطبية، فإما أنك معي أو ضدي، على حق أو خطأ بالمطلق، تستحق الحياة أو فقط تستحق الموت، ويميل التطرف إلى أن يكون إفراطاً أو تفريطاً.

لقد عبث البعض في معايير حكم الناس على أنفسهم، مما أدى إلى التسبب في الأذى النفسي لهم، فلو كنت تريد التسبب بالإحباط الشعبي العام لأي شعب فإنك تحتاج أن تصنع التالي:
١-  اجعلهم يسعون ليحققوا معايير ذاتية عالية المستوى من خلال قدوات تاريخية وأعطي هذه القدوات قدرات وأوصاف تجعلهم متفوقين في كل شي، ومعاييرهم من الصعب جداً تحقيقها.
٢-  أعطي انطباعاً أن الذي لا يستطيع تحقيق هذه المعايير فهو فاشل بالتأكيد، وأن موضوع تحقيق هذه المعايير هو موضوع إرادة ذاتية، وأن من لا يحققها سيدل ذلك على ضعف إرادته.
٣-  هكذا سيتسلل الإحباط والإحساس بالفشل وستتسبب بإحباط عام، وشعور بضعف القدرة والإرادة، وستصبح التوجهات سلبية اتجاه الذات والمجتمع.
إذاً فالتفكير القطبي أداة قياس وحكم وتفسير للأحداث والأمور، ولو وضعت في غير مكانها، فستجعل من صاحبها مبالغاً جداً في أحكامه.
انتظرونا في الحلقة القادمة بإذن الله....

 

العبث_بالعقل (الحلقة ١١ ):

" يجذب قطب المغناطيس إليه القطب الضد لأي مغناطيس آخر، بعكس تفكير الإنسان الذي ينتقي ما يوافقه فقط حتى وإن كان خاطئاً " يوسف مسلَّم.

بدأنا منذ الحلقة الماضية في الحديث عن المبدأ الثاني من مبادئ تحريف الوعي والإدراك وهو مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، وكنا قد وصفنا سابقاً أن الطائرة الورقية إن طارت بغير توجيه تاهت وتحطمت، وأن الصاروخ لو ترك بغير حساب لقوة إندفاعه ومدىً يناسب دورانه لتاه وفقد اتجاهه وتوجهه، وهكذا العقل حين نطلقه في الفضاء دون حسبةٍ وحساب.

سنبحث في هذا الباب بأخطاء التفكير والمغالطات المنطقية الأساسية المعتمدة في علم النفس المعرفي العلاجي، وسوف نتحدث اليوم بإذن الله عن ثاني أخطاء التفكير حسب التصنيف وهو ""التفكير والانتباه الانتقائي "".

يدور مفهوم التفكير الانتقائي حول عمليات التفكير التي يتم التركيز فيها على جوانب محددة تدعم فكرة أو قناعة محددة، مع إهمال باقي الجوانب التي قد تكون ضد صحة هذه الفكرة أو القناعة، ويرافق عمليات التفكير الانتقائي عمليات إدراكية تعرف باسم " الانتباه الانتقائي " وهي تصف عملية انتباه جزئي للمواقف المختلفة بحيث يتم الانتباه فيها لبعض العناصر وإهمال بقية العناصر.

يعد الانتباه الانتقائي عملية أساسية في استجابات النجاة، حيث أننا حينما نتعرض لمواقف الخطر من الضروري أن يتركز انتباهنا على العناصر الهامة في الموقف لتزيد فرص النجاة، وهذا معناه إهمال الكثير من العناصر الأخرى التي يتم إقصائها بسبب تقدير أنها ثانوية، لذلك لا يتم اعتبارها حيث أنها غير مهمة الآن لتحسين فرص النجاة.

عند التعرض للضغوط النفسية يزيد مستوى الانتباه والتفكير الانتقائي بحسب مستوى التعرض للضغوط، ولكن ذلك قد يسبب الحرمان من الانتباه لعناصر قد تكون هامة للتعامل مع الظروف الضاغطه، حيث تم إقصائها والانتباه لغيرها.

يقوم الإعلام المسموع أو المكتوب، أو حتى كُتَّاب المقالات والكتب بالعبث بالعقول حين يعرضون نصف قصة أو فكرة أو قضية بإفراط مقابل عدم إعطاء تغطية كافية للنصف الآخر من القصة، ليقوم بذلك بتعزيز مبدأ التفكير والانتباه الانتقائي لدا المشاهد أو القاريء، وقد قال الملك فيصل آل سعود -رحمه الله- في أحد اللقاءات "لا أحب الإعلام، فهو يريدك أن تقول ما يريد وليس ما تريد " .

إن بعض مراكز الأبحاث تمارس التفكير والانتباه الانتقائي في دراساتها ودعمها للدراسات، فنجد بعض مراكز الأبحاث في الوطن العربي قد أغرقتنا في أبحاث حقوق وتمكين المرأة على سبيل المثال، ولم يكن هنالك بحث واحد حول العمالة الوافدة أو طبيعة ما تتعرض له مستقدمات الخدمة من معاملة مثلاً، او أثر الاختلال الاجتماعي الثقافي لتدخل البرامج الغربية في البيئة العربية، وما زلت أذكر حين كنت في فلسطين أثناء دراسة البكالوريوس، فقد رشحوني لدورة حول حقوق وتمكين المرأة، وكانت كل الدورة عن اضطهاد المرأة وظلمها، وعرضت عدة مشاهد فيديو خلال أسبوع الدورة وقد كانت المادة والفيديوهات للمجتمع الغربي، كون أن البرنامج الذي نحضره بدعم الأمم المتحدة وبروز دور النساء المغاربيات في عمل لجان تمكين المرأة، وقد سألت مدربتنا حينها حول ذلك، ولماذا لم نشاهد فيديو واحد عن فلسطين، وقد أجابت أنها مشكلة عربية ولا فرق من أين الفيديو، فأجبتها أن جدتي وكل أقاربي وأهل قريتي لن يوافقونها على ما تقول، حيث ساهمت المرأة في العمل والجهاد، وهنالك من نساء قريتي من يستشرن ويؤخذ برأيهن وهذا ليس خاص بل هذا الأمر الدارج في فلسطين المحتلة عموماً، وأن ما تفعله هو استيراد لبضاعة فاسدة والتسويق لمشكلة، بالتأكيد أن هنالك قضايا فردية ومتفرقه منها لكنها لا تستحق كل هذا التسويق والإنفاق والتضخيم لها في بعض جوانبها مع إغفال متقصد لجوانب إيجابية أخرى كثيرة على الأقل في ذلك المجتمع، وحقيقةً فإن هذا الموضوع في الوطن العربي قد تم نفخه إلى حد انفجاره في وجوه الجميع، وما رأينا من كثير من ناشطات العمل النسوي إلا رغبة في التميكن لتوظيف بناتهن، حيث توضع إبنة الناشطة القديمة وراثة في مركز وظيفي متقدم ضاربة في الحائط حقوق الأخريات الأكثر استحقاقاً، وقد وجهت دعاوى مختلفة بحق مكاتب استقدام عاملات للأردن بسبب ضرب العاملات وإهانتهن من قبل موظفي المكتب المملوك كلياً أو شراكةً مع بعض ناشطات العمل النسوي أو ناشطات حقوق الإنسان، حيث غفلن أن المرأة المستقدمة للعمل هي امرأة أصلاً.

لقد دَّبَ الخوف في قلوب الناس بشكل أكبر مع عالم التواصل الاجتماعي الذي أصبح يركز انتقائياً على بعض الأخبار دون أخرى، فلو ذكر في الفيسبوك أن طفل صيني سقط وأصيب، لرأيت ردة فعل وخوف الآباء والأمهات من حدوث ذلك مع أبنائهم في الأردن، إن الكثير مما يركز عليه في هذا الإعلام كان يحدث سابقاً وليس جديداً، لكن دون نشره والتركيز المفرط على قضاياه، وعندما بدأ هذا الإفراط في التركيز على القضايا ارتفعت نسبة التفكير والانتباه الانتقائي لدى المتابعين، مما زاد من مخاوفهم لتوقعهم بحصول ذلك معهم، دون تنبهٍ منهم أن هذا التفكير والانتباه الانتقائي قد عبث بعقولهم دون دليلٍ يذكر على صحة ذلك.

إذاً فالتفكير والانتباه الانتقائي قد يصبح قالباً يجبر صاحبه أن يرى العالم من خلاله، عفواً هل قلتُ العالم؟؟؟ أعتذر حقيقةً فالوصف الأدق أن يرى بعضاً من العالم بحسب ما يريد أن يراه أو يتوقعه.

 

 

العبث بالعقل .. الحلقة (12)

عندما ترى كل الأشياء بنفس الصورة، فهذا يعني أن ما تراه هو صورة واحدة مطبوعة في مخيلتك وذهنك، وليست الصورة الحقيقة لما يبدو أمامك" يوسف مسلَّم.

بدأنا منذ الحلقة الماضية في الحديث عن المبدأ الثاني من مبادئ تحريف الوعي والإدراك وهو على حد وصفنا مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، وكنا قد وصفنا سابقاً أن الطائرة الورقية إن طارت بغير توجيه تاهت وتحطمت، وأن الصاروخ لو ترك بغير حساب لقوة إندفاعه ومدىً يناسب دورانه لتاه وفقد اتجاهه وتوجهه، وهكذا العقل حين نطلقه في الفضاء دون حسبةٍ وحساب.

واتفقنا أن نبحث في هذا الباب بأخطاء التفكير والمغالطات المنطقية الأساسية المعتمدة في علم النفس المعرفي العلاجي، وسوف نتحدث اليوم بإذن الله عن رابع أخطاء التفكير حسب التصنيف وهو "التعميم الزائد".

ويعد التعميم الزائد إطلاقاً لحكم مطلق بسبب تجربة فردية أو محددة، مثل ما نراه من إطلاق أحكام للبعض عن أهل بلدٍ ما على سبيل المثال، ويكون حكمه مستقى من تعاملهم مع أحد أفراد هذا. البلد وليس كل أهله، لكن خطورة التعميم الزائد في عمقها تبدو من خلال تطوير اتجاهات نفسية أو اجتماعية من مثل التالي:
* تعميم فكرة العجز والفشل وزراعة ذلك في عقول شعب ما، كما نسمع من بعض العرب واتجاهاتهم حول هويتهم، وأنهم متأخرين ومتراجعين في كل شيء، وتسهم بعض البرامج الإعلامية، والنكات الشعبية في ترسيخ ذلك.

* تعميم العداء إتجاه الغرب مثلاً، أو لصنف من الاجانب، حيث يسخر الإعلام من العرب أو يطفي على المسلمين صبغة التطرف والرجعية، وهذا ما نراه في أفلام هوليوود، وأصبح حتى في المسلسات والافلام العربية، ولهذا التوجه شأن عظيم في تعميم نظرة العداء للغرب، وإضفاء صورة نمطية من مجتمعات كلا الجانبين.

إن التعميم الزائد عبارة عن سجنٍ لموضوعية الفكر والتفكير، وفتيل بالغ الخطورة لزيادة التطرف والتزمت بالإفراط أو التفريط على حد سواء. ومن أهم المحرشات لتطوير هذا الأسلوب من التفكير بعض القنوات الإعلامية، والمجتمعات العنصرية المغلقة، والتجمعات السكانية المحبطة لقلة الاهتمام والعناية وتوفير الخدمات، وأنظمة العمل الهرمية البيروقراطية.

ولذلك تحتاج الموضوعية وأمانة ودقة الرأي إلى توفر الصحة الإجتماعية، وتحقيق معدل جيد من نسب الرضى الإجتماعي، وبرامج مجتمعية، وإلا فإن الشعب الذي يعاني من مستوى عالي من التعميم، ما هو إلا شعبٌ مهزومٌ في داخلة، فإما أن يفرز مجتمعاً منطوياً معزولاً وخائفاً، أو سيكون مجتمعاً عنصرياً وعدائي

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم