#هل يخدم علم النفس المجتمع الكبير:
قامت العديد من المدارس النفسية في العصر الحديث، وهذا امرٌ معروف وضروري في مسار تطور أي منهج علمي، ومن اسس قيام أي مدرسة نفسية بأن يكون هنالك إطار فلسفي كامن وواضح خلف المدرسة النفسية، لتأسس عليه منظورها، ومبادئها ومفاهيمها، وتطور تطبيقاتها العلمية بناءاً عليها.
لقد كان معظم ما علق في مفاهيم وتطبيقات المدارس النفسية الكبرى المنظور الخاص بالعلاج على الأغلب، حتى صارت توصف بالمدارس العلاجية، وصارت غالبية أبحاث ودراسات المدرسة النفسية قائمة على تطوير الأساليب والنماذج العلاجية، ورغم أن هذا لا بأس به من ناحية ويعتبر ضرورة لأهمية توفير هذا الجانب، لكنه من ناحية أخرى اختزل المدرسة النفسية في التوجهات العلاجية بشكلٍ كبير، بحيث كان مستوى تطوير النماذج النمائية والوقائية أقل من المطلوب عموماً.
عند الحديث عن علم النفس، يعلق في ذهن الغالبية علم النفس المرَضي، وهذا أول مرَّده الى تشكل مدرسة التحليل النفسي، والتي قامت على المفاهيم المرَضية في تفسير سلوك الإنسان، ورغم أنه من الضروري تشخيص المشكلة النفسية بمسميات ذات دلالة عند ظهور أعراض مكتملة لتشخيص المشكلة ( مثل الاكتئاب والقلق..)، لكنه ليس من الطبيعي أن تصبح المصطلحات الخاصة بالتشخيص المرضي هي التي تستخدم لوصف سلوكيات الناس العادية والطبيعة، وحتى التي لم يظهر فيها إلا الشيء اليسير من ملامح العوارض المرضية، إن السعي ( لتمريض سلوك الإنسان) أي جعل الوصف والمنظور لسلوكه بناءاً على أوصافٍ مرضية، يضيّع علينا فرصة فهم السلوك الطبيعي، وإعطاء أوصاف للسلوك الطبيعي، عداك عن أن هذا الأمر لا يعتبر علمياً، بأن تقسم البشر الى قسمين فيكون بعضهم يعاني من الإضطراب والأمراض النفسية، والقسم الآخر يعاني من وصف سلوكه الطبيعي بأوصاف مرضية، فإما أنك مريض أو على وشك المرض.
إن علم النفس المرضي ومنهجيات المدارس النفسية العلاجية تخدم شريحة تقارب 20٪ من السكان، وهنا يأتي السؤال، ماذا أعددنا للبقية وهم 80٪ من السكان، وإلى أي مدى من الممكن أن تخدم المدارس العلاجية حاجة هؤلاء الأغلبية.
قام مارتن سليجمان بتطوير علم النفس الإيجابي ليستفيد بقية السكان من تطبيقات علم النفس وخدماته في حياتهم اليومية، وانطلق من منظور السواء والصحة، فطوّر منهجاً نمائياً وقائياً يتحدث فيه عن السعادة والرضى والازدهار.... والكثير من الأوصاف المبهجة والتي انطلقت من منظور السواء وأسست على السلوك البشري العام، وليس على سلوك الأقلية المرضى، فصار منهج مارتن سليجمان في علم النفس الإيجابي منهجاً نمائياً وقائياً بإمتياز.
علم النفس يتسع بشكل كبير لوجود مدارس ومنهجيات ومنظور جديد يؤسس على حاجة الأغلبية من السكان، وفي بلدٍ نجدُ غالبية سكانه من المسلمين، وجزء لا بأس منهم يميلون للتدين، هل يمكن تأسيس علم نفس قائم على المنظور الديني للإنسان، فمن مهمات الدين تعليم الناس الغاية من وجودهم، والإجابة عن الأسئلة الوجودية الكبرى، من أين جئنا، ولما وجدنا، وماذا نفعل في وجودنا، والى أين نذهب، فهل تطوير منظور عربي إسلامي يخدم بقية سكان العالم العربي والإسلامي؟
وخاصة الذين قد لا يحتاجون إلاّ إلى 20٪ من علم النفس المرضي، ويحتاجون لمنظور نمائي وقائي يناسب ثقافتهم على غرار ما قام به مارتن سليجمان؟ ام انه يجدر بعلماء النفس فصل الدين عن علم النفس، والتي قد تصبح شكلاً من العلمانية المقننة التي يتعاطاها هذا العلم؟
سؤال مفتوح للنقاش يحتاج منكم الإجابة أيها الزملاء.