العلوم النفسية

العلوم النفسية

الدكتور يوسف مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

كثيراً ما نقراء أو نسمع عن ما يتعلق بموضوع تأصيل العلوم النفسية، سواء بتأصيله ثقافياً ، أو شرعياً على اسس الشريعة الإسلامية، وقد تفضل الكثير من اساتذتنا الكرام بطرح هذا الموضوع أو الكتابة فيه، او عنه، أو خلاله،  لكن على ما يبدو أن هذا الجهد ما زال بكرا، خجولاً في بعض الأحيان، أو ليس واضح التوجه و الوجهة في أحيان أخرى، ولذلك فقد حاولت تجميع ما يكتب الكثير من أساتذتنا و النظر فيه بعين النقد تارة، و التحليل تارة أخرى، فبدى أمامي أهمية وضع إطار واضح، وحدود نظامية، ومعايير منظمة، حتى لا يكون الحديث في هذا الأمر شكلياً، مما قد يجعله مشكلاً، أكثر مما يبدو فيه الحل.

وعموماً تتبدا أهمية الإجابة على الأسئلة التالية ضرورة في هذا الفن الجديد، و الضرب الفريد للتعامل مع العلوم النفسية:

  1. لماذا نحتاج لتأصيل علم النفس، أليس ما نتج من تراث انساني في هذا المجال كافياً؟
  2. هل العلم بكافة جوانبه يحتاج الى تأصيل، أم ياتراها بعض الشذرات؟
  3. هل من الممكن وضع برنامج منهجي لذلك؟

وللأجابة على هذا السؤال دعونا نوضح حقائق خاصة بالنسق التاريخ لنشئة علم النفس، فكما نعرف جميعاً كانت بداية نشؤ هذا العلم عبارة عن فلسفات متعددة، و أطر شارحة لبعض القضايا المتعلقة بالإنسان من مثل ( خلق الإنسان، طبيعته، صفاته، مكنوناته، تطوره، شذوذ صفاته، ...)، وهذا الباب من الفلسفة هو ما أنتج المحتوى العلمي فيما بعد لعلم النفس، لذلك تكمن أهمية معرفة ذلك، لتحديد ما نحتاجه لتأصيل هذا العلم، حيث يبدوا أن الإطر الفلسفية و الشارحه لنموذج هذا العلم ونظرياته، هي التي تحتاج لإعادة نظر، كونها لا تتفق مع الشريعة الأسلامية في أغلبها، ومثال على ذلك النظرية التحليلية الكالسيكية في علم النفس، وما نعرفه من نظرتها للطبيعة البشرية ومكنوناته، ومكوناتها...، مما يعكس حقيقة نظرة شركية، أو لا تتفق مع نظرة المسلمين و شريعتهم و عقيدتهم للإنسان، وفيها من المخالفات الشرعية و العقدية الكثير، إذا نحن بحاجة لتأصيل على أسس العقيدة و الشريعة الأسلامية لإطار نظري لعلم النفس يشمل الجوانب التالية (المفاهيم الأساسية لخلق الإنسان، الغاية، الوسيلة، التكوين، التطور، الحياة الدنيا- الأخرة، الطبيعة البشرية، السمات و الصفات مقابل الفطرة، أعمال القلوب و أمراضها، الفوارق ما بين المرض و الضلال، السلوك تفسيراته و سوائه وشذوذه وعواقبه، مقاصد الشريعة وتحقيقاتها للطبيعة البشرية و المكون الإجتماعية الإنساني و المجتمع، عواقب السلوك، السنن في سلوك الفرد و الجماعه، تحقيق معاني الربوبية و الألوهية في حياة الفرد، المس و السحر و موقف العلم منه، الأسس البيولوجية للسلوك الإنساني...) وقد يكون هنالك غيرها من الجوانب، لكن مع أهمية الأنتباه أولاً الى أن هنالك حقائق ومكتشفات علمية – من مثل الأسس البيولوجيه للسلوك- ورغم عدم القدرة على تأصيلها شرعاً لكنها لا تتنافى مع الشريعة الأسلامية، ولذل فهنالك بعض الجوانب العلمية و التي في اساسها لا تتنافى مع الشريعة و أطرها، يمكن الأخذ بها، من باب أنها موثقة وحقائق أساسيه مثبته علمياً، وعلى سبيل المثال لو أردنا تأصيل علم الفيزياء فسوف نأخذ بعدة حقائق علمية من مثل الجاذبية مثلاُ، رغم عدم وجود دليل شرعي أو تأصيل لذلك، كون الأمر أصبح حقيقة علمية بحته مثبته، لكن ما نحتاج لتأصيله هو الجوانب التي يطغى عليها النظرة الفلسفية، أو التفسيرات الأستبطانية، أو الأطر التي في أصلها لا تتوافق مع طبيعة الشريعة الأسلامية وحتى تعاكسها، ولذلك يجب أن نقسم هذا العلم الى الجانب النظري، و الجانب التطبيقي، وعلى ما يبدو فإن الجانب النظري هو ما يحتاج الى تأصيل وليس الجانب التطبيقي، فهل من الضرورة تأصيل الجانب التطبيقي للعلاج المعرفي على سبيل المثال، خصوصاً لو أن هذه التطبيقات لا تحتاج الى أي تأصيل، وهي بحد ذاته غير منافية للشريعة الإسلامي، فكيف تنافي مفاهيم "الأفكار الأتوماتيكية" على سبيل المثال قاعدة شرعية؟؟؟.

 ثانياً، فقد تمتد الحاجة للتأصيل لتغيير بعض المصطلحات أو مسميات الظواهر النفسية، فبعض المصطلحات في اصلها ذات دلالة على بعد فلسفي او اساطير مليئة بالشرك و الذي يتنافى مع الشريعة الإسلامية، فمالنا كمسلمين ومال " عقدة أديب" خصوصا أنها قصص اسطورية في بعدها تدل على بعض معاني الشرك أو ما قد يجرح الحياء من مثل " عقدة الخصاء" وما المشكلة لو حولنا بعض الأسماء و المصطلحات ذات الأصول اللاتينية الى مصطلحات وصفية بلسان عربي مبين، وقد تمتد الحاجة لتغيير شعار" الشمعدان" الذي يضن البعض أنه ليس بأكثر من حرف لاتيني و لا داعي للنظر للأمر على أنه يعبر عن يهودية فرويد الذي أسسه كشعار.

ثالثاً، قلنا في السابق أن بعض المكتشفات التي توضحت علمياُ لا يجب قبولها كما هي ما دامت حقائق و دمجها في الأطار العملي لعلم النفس الشرعي، دون تردد أو حرج.

رابعاً، قد تكون بعض القضايا الأساسية هي البداية الموفقه لتأصيل هذا العلم، من مثل وضع أسس و إعتبارات شرعية بالإضافة الى القضايا الأخلاقية المتعلقة بتقديم الخدمات النفسية سواء بتدريسها، أو العلاج، أو البحث العلمي، على أسس الإعتبارت الشرعية، ومقاصد الشريعة السمحاء، بحيث يصبح لدينا قانون لأخلاقيات العمل المهنية، بأصول وإعتبارات شرعية، يحدد إطار العمل، وقد يكون الأوفق بالسبق في ذلك، تغيير أسس البحث العلمي، ووضع أسس جديدة للبحث العلمي على أسس الشريعة، يعتبرها الباحثون إطار عمل واضح، ومنهجي في حال البحث في العلوم النفسية و السلوكية.

خامساً، سنحتاج لتحديد ميادين علم النفس الأساسية، وطبيعة المتعلقات و البحوث وطرق التأصيل اللازمة لكل ميدان بشكل واضح، فعلى أسس وضع الإطار النظري الذي سننطلق منه، سيدور فلك البحث في كل ميدان، مع الإنتباه لعدم إستخدام مصطلح " الفلسفة الإسلامية" و الذي يعتبر الخطأ الشائع، فالدين ليس نظرية و لا فلسفة، ويكفيه في وصف أصله كلمة دين كتعريف.

الخلاصة:

يبدو أن تأصيل العلوم النفسية بحاجة الى نظرة وبرنامج واضح، وقبل كل شيء نحن بحاجة الى تطوير منهجية بحث علمي – شرعي، واضحة المعالم و المنهاج، ثم يجب التمييز لما نريد تأصيله، حيث أن الهدف الخروج بأطار نظري للعلوم النفسي مضبوط شرعاً ، ولا بأس في الجوانب التطبيقية ما دامت مدعمة علمياً و يمكن عزلها عن سياقاتها الفلسفية الوضعية، و الشريعة هي من علوم الدين الذي لا يعتبر فلسفة أو نظرية، إنما هو دين يكفيه في اصل وصفه كلمة دين، ومنهاج حياة رباني.

الأستاذ يوسف مسلم

أخصائي نفسي سريري

ماجستير علم النفس السريري، وطالب دكتوراة

عمان – الأردن

ملاحظة، أرجو تغيير إيملي لديكم الى clinicalpsyy@yahoo.com

 

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم

الدكتور يوسف مسلم